الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في كتاب «مادام في الثورة التونسية نساء» للإعلامي منصف بن مراد: احـيـاء الـذاكـرة الـنـسـويـة الـمـفـقــودة

نشر في  26 فيفري 2016  (10:49)

لا يشّك أحد في مكانة المرأة التونسية وما حققته من مكتسبات وحقوق، جعلتها تحتل المراتب الأولى عربيا وحتى عالميا، هذه الحقوق والمكتسبات، التي نظّر ونادى لها الطاهر الحداد في كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» وناضلت من أجلها المرأة التونسية قُبيل الاستقلال، وكانت للزعيم الحبيب بورقيبة الإرادة السياسية لتقنينها في مجلة الاحوال الشخصية، التي تعتبر من أهم ركائز حداثة الدولة التونسية، ومن أجرأ القوانين في البلاد العربية، ومن أهم هذه الحقوق: إلغاء تعدد الزوجات، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، سحب القوامة من الرجل، جعل الطلاق بيد المحكمة عوض رمي اليمين من الرجل، تحديد السن الادنى للزواج ومنع الزواج العرفي وحق المرأة في التعلم وغيرها.

 
ولكن رغم ذلك بقيت المرأة التونسية حفيدة عليسة مؤسسة قرطاج، وحفيدة الكاهنة البربرية، وعبر الأجيال متربصة تواجه تحديات عديدة من أجل وجودها وكيانها كامرأة لا ترغب أن تكون مجرد اكسسوار يتباهى بها النظام. وحاولت تفعيل وجودها وناضلت من أجل حرية التعبير ومن أجل تكريس وجودها في العمل السياسي بعدما اخترقت كل الميادين، لكن يبقى التحدي الأقوى هو ما واجهته بعد ثورة 14 جانفي عندما اكتسحت الأحزاب الإسلامية تونس وحاولوا أسلمة المجتمع، وبالتالي المساس بهوية المرأة التونسية والتراجع عن مكتسبات كانت بمثابة المسلّمات. 


عن هذه المرأة التونسية بين الماضي والحاضر، عن الذاكرة المفقودة عن مواجهة التحديات، عن مشاركتها في ثورة 14 جانفي جاء كتاب «مادام في الثورة التونسية نساء» للإعلامي منصف بن مراد عن دار «سيمباكت»، وقد جاء هذا المجهود تكريما للمرأة التونسية، حيث يرى صاحب الكتاب أنّ نضال المرأة في تونس عبر الأزمنة بقي «حبرا أبيض على ورق أبيض»، بما أنّ التاريخ الرسمي عامل المرأة بالجحود والنكران، وأقصى مساهمتها في قيادة الجيوش، ومساهمتها الفعّالة في إصدار القرارات السياسية الحاسمة، كذلك عدم الاعتراف بفضلها في المساهمة في حرب التحرير ونضالاتها المتعددة، لذلك احتوى هذا الكتاب على سير النساء اللائي لعبن دورا طلائعيا خلال الفترة المتراوحة ما بين 1920 و1956.

كما يقول صاحب الكتاب «لتخفيف فقدان الذاكرة»، من بينهن المناضلة بشيرة بن مراد مؤسسة أوّل اتحاد نسائي سنة 1936، التي نذرت كل وقتها للنضال من أجل تحرير المرأة واستقلال البلاد»، وتوحيدة بن الشيخ أول طبيبة تونسية وعربية، وقد عرفت بنضالها من أجل حقوق المرأة، كما شاركت سنة 1937في أنشطة نادي الفتاة التونسية والاتحاد النسائي الإسلامي. ومجيدة بوليلة التي عانت ويلات السجن نتيجة مشاركتها في حرب الاستقلال، وبادرت بتأسيس «كتّاب» سنة 1949 لنشر التعليم ومحو الأمية. والإعلامية والكاتبة سيدة القايد التي شاركت في مظاهرات ضد الاستعمار، كما نظمت اجتماعات سرية للتعريف بالقضية الوطنية، وانخرطت في الاتحاد النسائي وأنجزت في ما بعد حوارات مع كبار نساء تونس.. وغيرهن من النساء اللواتي ساهمن من قريب ومن بعيد في ما حصلت عليه المرأة التونسية من مكتسبات الحرية والكرامة والاستقلالية والتعليم والعمل. 

وبما أنّ من لا ماض له لا حاضر ولا مستقبل له، رصد لنا هذا الكتاب بالصورة بحجم متوسط وبالألوان، وهي التي كانت من أهم دعائم وركائز الثورة التونسية: مساهمة المرأة في ثورة 14 يناير 2011 وحضورها الطاغي في كل المظاهرات والاعتصامات التي تلت الثورة وكأنّ صاحب الكتاب أراد الاحتفاظ بهذه المشاركة لعدم التشكيك فيها في المستقبل، وأتى بالدليل القاطع على هذه المشاركة. وبالتالي فإنّ الحكايات والتاريخ يمكن أن يقصّا بالصورة في سردية جديدة، فالصورة كما يقول عادل خضر في كتابه «مرائي الصور» حكاية صامتة «فلولا الصورة لبقيت الحكايات» متكتمة على أسرارها بلا ذاكرة بلا تاريخ.» 

كما احتوى الكتاب العديد من المقالات كتبتها نساء تونس باللسانين العربي والفرنسي، ومن مختلف الميادين: الأكاديمية والنائبة والفنانة والإعلامية والمناضلة. وشاركت المرأة بقلمها تحكي عن مواجهات المرأة التونسية إبان الثورة، وسنهتم في هذا المقال بأهم الأفكار التي جاءت في هذه المقالات مركزين على المقالات العربية. 

ما يثير الانتباه أنّ أكثر من مقال أشار إلى أنّه لا حديث عن الثورة بدون الرجوع إلى أحداث الحوض المنجمي التي بدأت سنة 2008، وكما تقول جمعة حاجي (مناضلة) «مناضلات الحوض المنجمي رسخّن ملحمة الصمود»، وتقول بسمة خلفاوي (محامية) في مقالها: «نساء الحوض المنجمي هنّ من أشعلن نيران الثورة».

هذه الاحتجاجات التي حاول النظام وقتها أن يسكتها بالقوة والردع والتعذيب ..ثم في الأيام السابقة لـ14 يناير، كانت دماء منال شهيدة الرقاب أوّل بصمة للمرأة في مسيرة إسقاط النظام. وكانت المرأة التونسية كما تقول نائلة السليني (باحثة أكاديمية): «المرأة والزوجة والأم والطالبة» في الصفوف الأمامية، وتمكنت مع الرجل من إسقاط أعتى الديكتاتوريات بأقل الخسائرالممكنة .

انتهى نظام وجاء آخر مبشرا بعهد جديد، كما يحصل في كل الثورات التي تُغير النُّظم والقوانين نحو الأفضل، وتجسّد قيم المساواة والحرية، لكنها لحظات، كما تقول الباحثة رجاء بن سلامة (استاذة جامعية) «مفتوحة على المجهول وهذا المجهول يمكن أن يكون تراجعا إلى الخلف» وهذا ما حصل فعلا في تونس، حيث اصطدمت المرأة بواقع لم تنتظره ووجدت نفسها كما تقول مباركة براهمي (عضو في مجلس الشعب): «أمام استحقاقات جديدة أولها الحفاظ على مجلة الأحوال الشخصية»، وكانت بداية النضال الحقيقي في الفترة الفاصلة ما بين 2011 و 2014. ومن أهم هذه النضالات التي قامت بها المرأة في عهد حكم الترويكا ومواجهة المدّ الرجعي الذي «أخذ المرأة هدفا والسواد لونا».

كما دونت نائلة السليني وقوفها أمام مناقشة الفصل الأوّل من الدستور التونسي وتطبيق الشريعة الذي من شأنه أن ينسف كل مكتسبات المرأة، وكذلك مناقشة فصل التكامل مقابل المساواة الذي أُدرج في الدستور، وخرجت في مظاهرات كبيرة في عيدها يوم 13 أوت لتنادي بالمساواة بينها وبين الرجل، وإدراج المساواة الكاملة عوض التكامل، وانبثقت عن هذا الحراك جمعية تتكون من 120 جمعية، وهو ائتلاف للجنة المرأة في الاتحاد العام التونسي للشغل وسمي بـ»حرائر تونس». كان نتيجة هذا الحراك التخلي عن مبدأ التكامل وسن مبدأ التساوي في الدستور، وكذلك فصل التناصف في جميع الهيئات الانتخابية، الذي مثّل فخرا للمرأة التونسية، باعتبار أنّه غير موجود حتى في أكثر الدساتير تقدما. كذلك خروجها في جنازة شكري بلعيد، متحدية كل العادات والتقاليد، معبرة عن رفضها للإرهاب والاغتيالات السياسية التي كانت غريبة عن المجتمع التونسي. 

ومن أهم الإنجازات الرمزية للمرأة التونسية، التي عددتها ألفة يوسف (باحثة وأكاديمية) في مقالتها: هي صورة خولة الرشيدي بتصديها للطالب السلفي الذي حاول إبدال العلم التونسي بعلم تنظيم الدولة الإسلامية الأسود، كذلك صورة أرملة الشهيد شكري بلعيد بُعيد اغتياله وهي تسير بين الجموع رافعة علامة النصر، وهذه صورة تعكس قوة المرأة التونسية أمام صورة الأرملة المنكسرة التي تعوّد عليها المخيال الشعبي. صورة أهالي سليانة نساء ورجالا يغادرون مدينتهم احتجاجا على أحداث الرش، مواجهة الدعاة الذين فتحت لهم أبواب تونس ليصولوا ويجولوا ويدعون لختان البنات وتعدد الزوجات وغيرها، صمود المرأة ومشاركتها في العديد من الملتقيات الأدبية والحضارية للتصدي لهذا المدّ الرجعي والتوعية لتصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة، ثمّ مشاركتها الفعالة ماديا ومعنويا في اعتصام الرحيل، إثر اغتيال الحاج البراهمي. 

«مادامت في الثورة التونسية نساء» كتاب يمكن أن يكون مرآة عاكسة لماضي المرأة التونسية وحاضرها، ومن خلاله تستطيع أن تتطلع كذلك إلى مستقبلها.. كتاب يجمع بين الشهادات والسير والصور، ليكون شاهدا على نضال المرأة التونسية: هو ردّ اعتبار لامرأة عمرها 3000 آلاف سنة، حكاية امرأة لم تساهم في تأسيس الجمهورية فقط، وإنّما في إنقاذ مبادئها وأسسها. ومادامت في الثورة التونسية نساء… وإن خبت هذه الثورة لوقت، كما تقول لينا بن مهنا (مدونة وناشطة حقوقية) ستمضي حتى غاياتها ..

ابتسام القشوري

ناقدة تونسية